أخبار وطنية الخبير الأمني علي الزرمديني في حوار مثير عن عملية قفصة والاقالات في الداخلية والصندوق السري لتمويل الارهابيين...
بعض الأطراف الحقوقية خدمت الإرهاب وحلفاءه...
رفضوا قانون مكافحة الإرهاب لأنّـــه يرصـد كيفية تدفق الأموال
كنّا واثقين بان أمننا أقوى من كل النوائب والمحن ومهما تعددت المؤامرات الخسيسة لأعداء الحياة والوطن، فإن ضربات قاسمة ستسدّد لهم في الوقت المناسب. وفي الوقت الذي مازالت فيه حادثة باردو الإرهابية التي مثلت تحولا نوعيا وجغرافيا للعمل الإرهابي في تونس حديث الناس، جاءت الأخبار من قفصة معلنة مقتل رأس من رؤوس أفعى كتيبة عقبة بن نافع وهو لقمان أبو صخر بما يوحي بأن قوات جيشنا وأمننا الوطنيين تستعد لخوض معركة الحرب الكبرى لاجتثاث طاعون غريب عن ديارنا.
وفي هذا الإطار وعملا بالمقولة المعروفة « أيفتى ومالك بالمدينة؟»، ارتأت أخبار الجمهورية أن تحتكم إلى الخبير الأمني والعقيد السابق بالحرس الوطني علي الزرمديني للحديث معه عن حادثة سيدي يعيش الأخيرة وانعكاساتها والعديد من المواضيع الأخرى الشيّقة التي تستجيب لتساؤلاتكم ومشاغلكم.
- في البداية، تقييمك لعملية سيدي يعيش التي أطاحت بطلائع كتيبة عقبة بن نافع الإرهابية؟
هي عملية جدّ متميزة من الناحية النوعية وقامت بها وحدة الحرس الوطني التي لي تاريخ كبير معها، وأعرف كل خصوصياتها وتاريخها. هذه الوحدة يحقّ لكل التونسيين الافتخار بها نظرا لحرفيتها ومقدرتها القتالية العالية التي يشهد بها العالم أجمع، حيث دفعت بعدد كبير من الدول المتقدمة بأن تسعى للقيام بتدريبات مشتركة لوحداتها الخاصة مع وحدتنا التي نعتزّ بها والمشهود بكفاءتها ونجاحاتها.
كما أنّ العمل الذي قامت به الوحدة هام وحرفي من الناحيتين النفسية والتكتيكية خاصة وأننا نعلم طبيعة الطرف المقابل الذي عرف بتمرّسه على القتال وعلى كل المسائل العسكرية الواسعة، ولا ننسى أن الإرهابي الخطير لقمان أبو صخر المختص في صنع المتفجرات قد أمكن له الإفلات عديد المرات ونجا من المحاصرة التي فرضت عليه من الجانبين الجزائري والتونسي.
- إذن هو عمل ليس بمحض الصدفة كما تردد؟
عمل كهذا لا يمكن له أن يكون بمحض الصدفة مهما حاول البعض التشكيك فيه والتقليل منه، فمن باشره يعلم جيدا مدى قيمة التحضيرات وأهمية الإعداد الناجع لإنجاحه وإتمامه على أكمل وجه. وكل المحاولات الفاشلة للإرباك والتقليل من النجاعة تندرج في إطار الحرب النفسية التي تسعى إليها بعض الأطراف بشتى الطرق المتاحة لديهم.
- هل لك أن تفسر لنا المقصود من هذه الأطراف؟
هي أطراف معروفة دأبت دائما على بث الفوضى والإشاعات بهدف التشكيك في المنظومة الأمنية ، أذكر منها بعض الأطراف الحقوقية التي «تدّعي في العلم معرفة» ونراها يوميا في المنابر الإعلامية تسعى إلى الإرباك والتشويه خدمة للحلفاء الاستراتيجيين للإرهاب.
هذا إضافة إلى أطراف لديها مرام وأهداف سياسية مرتبطة بمصالح تلك العناصر الإرهابية. وهو ما يؤكد لنا اليوم أنّ الحرب مفتوحة على واجهات متعددة إعلامية، تقنية واقتصادية ومنقسمة إلى أدوار مخصّصة لكل طرف من دعاية وإسناد وتعبئة وتشكيك..
- مباشرة بعد النجاح الذي سجلته الوحدات الأمنية أصدرت كتيبة عقبة بن نافع بيانا جيّشت فيه أنصارها وتوجهت فيه برسالة تهديد صريحة، فما هو تقييمك له؟
الشيء الثابت وأنّ الجماعات الإرهابية أصبحت اليوم تشهد ارتباكا واضحا بحكم المحاصرة والملاحقة المتواصلة من قبل قوات الأمن والجيش الوطنيين، ووجود 3 من قياداتها في سيارة واحدة في عملية سيدي يعيش هو خير دليل عل الارتباك الذي تشهده خاصة ونحن نعلم أنّ الإستراتيجية التكتيكية التي يعتمدونها تدفع الى عدم اجتماع القيادات وتحوّلها سويا درءا للمخاطر والخسائر العميقة في صفوفهم.
كما أنّ النوعية العادية للأسلحة والأحزمة التي كانت بحوزتهم بينت إمكاناتهم البسيطة. أمّا بالنسبة لتحليل البيان الذي أصدرته الكتيبة من الناحية النفسية فقد عكس شعورهم العميق بقيمة الخسارة الهامة التي سجلت داخل صفوفهم، وهو ما حدا بهم إلى محاولة شحن معنويات أنصارهم وبقية عناصرهم المنتمية للكتيبة المذكورة.
وبالنسبة لمسألة الوعيد والتوعّد، فليس بجديد على هذه المجموعات التي دأبت على مثل هذه الحركات محاولة منها لزعزعة النفوس وخلق الارتباك الذي يساهم في نجدتها ويسهّل لها تحركاتها كما تخمّن.
- إذن يمكن الاستنتاج بأنها تخطط لعمليات ردّ فعل؟
يجب قطع الطريق أمامها بكل السبل المتاحة وأخذ قسط واسع من الحيطة لتوقّي كل ردود الفعل والمخاطر التي يمكن لها أن تحدث ردا على عملية سيدي يعيش خاصة أن هؤلاء الأفراد يتبنون عقيدة «الثأر» ويلعبون على جانب المفاجأة والمباغتة في أي زمان وأي مكان. فالحرب الفعلية على الإرهاب انطلقت الآن بتحول مواجهاتها للفعل والمباشرة.
- وما السبيل برأيك لدرء مخاطر هؤلاء الأفراد الثائرين؟
ونحن في حالة حرب يجب أولا العزم على التعبئة الكاملة وليس لفظا فقط بل فعلا وتنفيذا ومسايرة لما يتطلبه الوضع والواقع، إلى جانب الاستعداد الشامل على كافة المستويات النفسية والمادية وضرورة اتخاذ المؤسسات الأمنية والعسكرية تأهبا وتوقيا كبيرين خاصة في حماية كل المراكز السيادية والحساسة.
هذا إلى جانب حسن تطبيق قانون عدد 75 لسنة 2003 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الذي مازال ساريا إلى اليوم والى أن يتم إصدار قانون جديد يعوّضه. كما أن عدم التساهل مع أي فرد يمجّد الإرهاب ويدعو إليه خاصة عبر المنابر الإعلامية يعتبر من بين الأساسيات المكافحة لهذه الظاهرة فلا حياد أبدا مع الإرهاب.
ولا ننسى كذلك أهمية حماية الحدود وتحسيس الرأي العام التونسي بأنه من أهم العناصر الفاعلة في حماية المنظومة المجتمعية ضد هذه المجموعات الإرهابية الهدامة فلا مجال للتسامح بأي شكل من الأشكال التي ترمز أو تشير أو توحي على الإرهاب حتّى من الجانب الخارجي والمظهري.
- هل في ذلك دعوة صريحة لمنع النقاب؟
أكيد، فوراء كل سبب مسبّب. وإذا كان النقاب اليوم دليلا ومسهلا لارتكاب جرائم الحق العام وجرائم الإرهاب فيجب إذن أن يوضع قانون لمنعه حتى لو كان إداريا لا جزائيا.
اليوم النقاب أصبح وسيلة تمويه يقع استغلالها لتنفيذ عمليات إرهابية، وقد رأينا سابقا العديد من المنقبات اللاتي وقع استعمالهن في أعمال مشابهة لذا فمن هذا المنطلق والمبدأ يجب إلغاؤه ومنعه.
- تحدّث وزير الداخلية عن السيارات المفخخة التي كان إرهابيو سيدي يعيش بصدد تسلمها من ليبيا فما هي قراءتك للتحول النوعي في مخططات الإرهابيين؟
لابد في البداية من الحديث عن الانعكاسات الخطيرة للوضع الإقليمي في ليبيا على تونس والذي يهيئ بدوره لوضع دولي مضطرب وبالتالي فكل شيء ممكن وكل السبل عندهم تؤدي إلى ارتكاب أي فعل يتم التجهيز والتخطيط له سواء عبر سيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة فكل شيء متاح وجائز عندهم.
كما أن هناك تنسيق كبير ومباشر بين شبكات الإرهاب والتهريب والتي تحكمها بالأساس عصابات من المهربين ومسالكهم تعتبر العامل الرئيسي الذي يسهل الحراك الإرهابي.
- وكيف برأيك السبيل للتوقي من تلك المسالك ؟
حضور الدولة بأكثر قوة وحزما لعزل تلك المناطق عسكريا ومراقبتها المتواصلة جويا واستطلاعيا، وزرع سلسلة من الأحزمة الأمنية والمرشدين إلى جانب وضع طاقة استعلام كبرى وتعزيز التنسيق الدولي بين الجوار.
هذا إلى جانب سنّ قوانين تصب في المصلحة الوطنية كفرض التأشيرة على الليبيين القادمين إلى تونس عبر المعابر الحدودية وذلك في إطار اعتماد سياسة التوقي. فنحن اليوم لا نخشى إرهاب الزيّ الأفغاني بقدر خوفنا من إرهاب الزيّ الإفرنجي لأن المظاهر أحيانا خداعة (ويقصد هنا خطر الأشخاص الذين يرتدون بدلات رسمية وعادية لا توحي بنزعة التشدد أو التطرف وهم في الأصل يموّهون لانتماءاتهم الإرهابية) .
- هل تعتقد بأنّ حكومة الترويكا تساهلت مع ظاهرة الإرهاب وموجة انتشار الأسلحة في البلاد؟
أقول انّ الإرهاب اليوم بات بيننا وراء الحدود وداخلها وهذا يرجع إلى عدة أسباب يجب الانكباب على دراستها نقطة بنقطة. فزيادة على الوضع الإقليمي المتولّد عن الثورات العربية، هناك تهاون السلط السياسية المتداولة على الحكم بعد الثورة في اتخاذ الإجراءات الحاسمة التي كان لابد من اتخاذها في السابق وحالة الإرباك المقصود الذي أدخل على مفاصل وزارة الداخلية من خلال تكبيلها وإقصاء إطارات أثبتت جدارتها وكفاءتها العاليتين واحالة البعض منها على التقاعد الوجوبي - وأنا منهم- ساهم في تفاقم الأزمة التي أصبحنا نشهدها.
كما أن الترقيات والانتدابات العشوائية التي تمت في إطار خصوصيات العمل الأمني وتحطيم هياكل تعتبر القلب النابض للدولة، ناهيك عن محاولة السيطرة على المفاصل الهامة لتوظيفات حزبية معروفة كل هذا ساهم في حدوث ما نحن عليه اليوم.
- فهل ستستطيع بذلك الحكومة الحالية الانتصار على الإرهاب طالما أن حكومة النهضة مشاركة فيها؟
أنا أقول انه بإمكان تونس أن تنتصر على الإرهاب -وسوف تنتصر بإذن الله- وذلك لوجود إرادة شعبية واسعة وخصوصيات متجذّرة في طبيعة الشعب التونسي تجعله مكافحا ورافضا للإرهاب مهما توسّعت دائرته .
ومتى توفرت إرادة سياسية قوية ووقع تطبيق القوانين بصرامة دون خوف أو ارتباك ودون خضوع لتأثيرات خارجية معيّنة ومتى توفرت أيضا الإمكانات المادية للالتفاف حول المؤسسات الأمنية التي تقع على خط النار فلن يمكن للإرهاب إلا أن يكون بمثابة غوغاء فاقدة للمصداقية.
- برأيك من أين يتأتى الصندوق السري لتمويل الإرهاب والإرهابيين؟
الإرهاب لا يتحرك إلا بقوة المال والمادة أما الإيمان والعقيدة فهما جانبان ثانويان أمام جانب الدفع المادي، ونعلم جيدا أن قانون مكافحة الإرهاب تم رفضه لأنه جاء لرصد الأموال وكيفية تدفقها. والمال والتهريب هما خيطا الإرهاب الرفيعان .
اليوم هناك حركة واسعة لعمليات تبييض الأموال وجهاتها مازالت غامضة وطلاسمها غير معلومة.
- هل تعتبر أن الإرهاب في العالم العربي منتوج استخباراتي أمريكي-إسرائيلي-تركي؟
أنا من موقعي كأمني اعتبر أن الإرهاب واقع عالمي نواجهه حقيقة دون الحديث عن فصله أو أصله التي ينظر إليها المحللون والمؤرخون.
حاورته: منار التليجاني